قطار الزمن

د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي

في قراءة ذاتية لأفكاري التي باتت تؤرقني وأنا أسير على قارعة الطريق استعرضت خلالها بعض المواقف التي تخللت رحلة عمري الطويل القصير عبر السنين التي مضت، الطويل بالمعانات المؤلمة التي عايشتها قياسا بمدته القصيرة التي شعرت فيها بالراحة وبعض حالات السعادة التي لا أحسد عليها، هذه الرحلة الحافلة المتميزة ببعض الأحداث العامرة المتصفة بالإثارة أحيانا وبالسخافة العديمة الأهمية والبلاهة أحيانا أخرى وقد امتزج فيها الأبيض بالأسود مع الظلال الرمادية التي وشحت حالات الفرح والحزن والقباحة والجمال معا، مع هذه الأحداث ساقتني قدماي لأجد نفسي على رصيف محطة للقطارات لم أكن على دراية بها وعلى حين غرة توقف أحد القطارات بجانبي بشكل مفاجئ وفتحت أحد أبوابه وشعرت بيد خفية تجذبني إلى داخله وكأنها عملية اختطاف مدبرة، لماذا لا أدري وعلى حد علمي أنني لا أمثل أية أهمية تغري باختطافي وأنا أعيش على هامش الحياة، وما أن صرت بداخله حتى انطلق مسرعا يشق عباب الزمن لا أدري إلى أين يراد بي، وفيما بحيرتي أسمع هاتفا وكأنه قادم من أعماق التاريخ يخاطبني قائلا هل تدري أين أنت؟ أنت الآن أسير قطار الزمن السريع لقد شاءت المصادفة أن تكون معنا لنصحبك رحلة زمنية نغوص فيها في أعماق التاريخ ثم نشق جدار الزمن لننطلق إلى الزمن القادم المجهول، قطار الزمن يا للمصادفة السعيدة هذا القطار الذي تخيلته وحلمت به وأمضيت ساعات وساعات في التفكير به وكم تسألت بيني وبين نفسي هل يأتي اليوم الذي يصبح فيه هذا الحلم حقيقة ننطلق به عبر الزمن الغابر لنعيش أحداثه أكون فيها أحد أبطال هذه الأحداث ومن ثم أشق جدار الزمن القادم أستطلع المستقبل المجهول كي أنتقي منها ما يروق لي وأحلم به، وماهي إلا لحظات قليلة كلمح البصر وجدت نفسي وقد عدت طفلا صغيرا أعيش سنين طفولتي الجميلة أتجول في زواريب حارتي القديمة المرصوفة بالحجارة البازلتية السوداء وهذه كتاباتي ورسوماتي التي كتبتها ورسمتها على الجدران، رسمتها ببقايا الطباشير التي كنت أستولي عليها من على سبورة الفصل في المدرسة، يا إلهي هذا باب مدرستي قد فتح وأنا اخرج منه مع رفاقي ونحن نصرخ عاليا ونقهقه على تصرفات بعض الأساتذة معنا أو على تصرفات الرفاق، تابعت المسير حتى وصلت إلى باب بيتنا العتيق الذي لا زال باقيا الذي لا زال كما هو منذ أجيال وأجيال صامدا في وجه العواصف الذي كان يجمعنا بدفئه، طرقت الباب كعادتي لتفتح لي الباب ثم تطلب مني أن اخلع ملابس المدرسة كي أتناول طعامي وأراجع واجباتي المدرسية، تناولت طعامي على عجل ثم غافلت أمي وانطلقت إلى الشارع كي العب أنا ورفاق حارتي ويتناهى إلى مسمعي صدى صوت أمي وأنا اغلق الباب هي تهددني بأبي قائلة عد وراجع دروسك وإلا شكوتك لأبيك، آه كم هو جميل وعذب صوتها كأنه صوت الملائكة تسبح في عَنان السماء، هاهم رفاقي يتحلقون وقد شكلوا فرقا وعصابات وقد على صراخنا وضجيجنا ونحن نتصارع عندما نختلف ثم نعود لنصطلح ونشكل الفرق الرياضية حيث نمارس المباريات الرياضة أو نقوم بتقليد أبطال مغامرات عصابات علي بابا وغيرها من القصص الخيالية وكأننا نحن أبطالها، تخطيت مرحلة الطفولة واليوم أمارس مراهقتي وأنا أقف الآن في ركن من زاوية الحي على بعد من بيتنا التي اعتدت أن أقف فيها وبيدي وردة حمراء قطفتها من شجيرات الورد التي زرعتها أمي في حديقة بيتنا وقد لففتها بورقة كتبت فيها أجمل قصائد الغزل المسروقة من دواوين الشعراء موهما إياها أنني أمضيت الليالي وأنا أنظمها لها تعبيرا عن حبي لها، وأنا أدندن بأغاني عبد الحليم حافظ، يا الله هاهي قد أقبلت نعم هي هي ابنة الجيران التي شغلت عقلي وقلبي وأحلم بها كأول حب في حياتي، مرت بقربي وهي تبتسم ابتسامة خفية رائعة وقد أطرقت برأسها على الأرض وبسرعة الريح أعطيتها تلك الوردة لتحتفظ بها ثم مضت بطريقها وأنا ألوح لها بيدي لترد بابتسامتها الرائعة وقد تكشفت شفتاها عن اجمل لآلئ العالم، ومرت الأيام واليوم أجد نفسي على مدرج الكُلْيَة أو في ساحة الجامعة مع الزملاء نتبادل الآراء ونتناقش في مواضيع شتى كالمحاضرات ومتطلبات المستقبل وفيما أنا مجتمع مع أصدقائي نلعب بالورق والنرد ونحن نتبادل الأحاديث بعد انهينا دراستنا الجامعية ومارس كل منا عمله واختصاصه، اطلق القطار صافرته طالبا مني الصعود لنكمل المسار منبها بأن الطريق طويلة، طلبت منه أن يبقيني حيث أنا ويمضي حيث أجد هنا البراءة والطهارة وبساطة الحياة والرفقة الطيبة، فقد طابت الحياة فأنا لا أريد أن أعود لواقعي الحاضر الذي كنت فيه قبل أن أصعد معه في هذه الرحلة، فإنه رفض وبشدة بالرغْم من توسلاتي واستغاثتي طالبا مني الهدوء والسكينة، ثم تابع سيره والدخان الرمادي يتصاعد منه يغطي صفحة السماء على أنغام صفارته المدوية في الأرجاء، إلى أن وصلنا إلى حطام مدن تطايرت أروقتها وهتف صوت ينبعث من القطار يقول نحن الآن وصلنا على أبواب الحاضر سنتوقف قليل لنأخذ قسطا من الراحة نعيش فيه الواقع ومن ثم ننطلق إلى المستقبل فقلت له أي واقع هذا الحاضر أهو واقع المأساة والمعاناة التي تريد أن تأخذ فيه قسطا من الراحة، وما كدت أنهي كلامي حتى انطلق مسرعا لا يلوي على شيء، وهنا وبلا وعي صرخت به بصوت عال طالبا منه التوقف فورا، لكنه لم يستجب لي وتابع سيره مما جعلني أهدده متوعدا إياه بأنني سأرمي بنفسي إن لم يقف ويدعني أرحل، وعلى إثر ذلك أخذ يتمهل في سيره حتى وقف على الرصيف وقبل أن يفتح الباب سألني لماذا لا ترد المتابعة والسفر إلى المستقبل فلعلك تجد هناك ما هو أفضل من الحاضر الذي تعيشونه؟ فقلت له أفضل الحاضر المرير المؤلم الذي أدخلتنا فيه حضارتنا المتهالكة التي أضاعت كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية، لكننا لن ندخر جهدا في سبيل  أن نعيد ما فقدناه من الماضي الجميل ولو كلفنا الكثير دون أن نركب قطار الزمن، قد يغرينا الركوب في قطار الزمن ليأخذنا إلى مستقبل مجهول لا نعلم عنه شيئا الذي قد يكون أسوأ مما نحن عليه الآن، فإذا ما أردنا أن نصنع المستقبل سنصنعه بأنفسنا بالشكل الذي نراه أفضل وبالطريقة التي تتناسب مع أخلاقنا ومبادئنا وحضارتنا التي ننشدها مستلهمين ذلك من العبر والدروس من الماضي مستلهمين الرشد منها، وهنا فتح أبوابه وطلب مني النزول متمنيا لنا حياة أفضل وان نجد الصواب في بناء المستقبل دون ركوب قطار الزمن، وما أن نزلت توقفت عن قراءة أفكاري الذاتية خشية ألا أجد فيها ما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا ولعلني ابتدع أفكارا خلاقة أفضل تجعل الحاضر أفضل وبوابة انطلاق إلى المستقبل دون الحاجة إلى قطار الزمن.

د. محمد توفيق ممدوح الرفاعي 

Time Train

Dr. Muhammad Tawfiq Mamdouh Al-Rifai

In a personal reading of my thoughts that have become troubling to me as I walk the side of the road, I reviewed some of the situations that punctuated my long, short life journey over the past years, long with the painful suffering I experienced compared to its short duration in which I felt comfortable and some states of happiness that I do not envy. This eventful journey is distinguished by some events full of excitement at times and insignificant absurdity and stupidity at other times, and in it white and black were mixed with gray shades that adorned states of joy and sadness, ugliness and beauty together. With these events, my feet led me to find myself on the platform of a train station that I was not familiar with. Suddenly, a train stopped beside me suddenly and opened one of its doors. I felt an invisible hand pulling me inside as if it were a planned kidnapping operation. Why, I do not know, and as far as I know, I do not represent any importance that would tempt me to be kidnapped, as I live on the margins of life. As soon as I was inside it, it quickly took off, cutting through the waves of time. I do not know where it is intended for me, and while I am confused, I hear He called me as if he came from the depths of history, saying, “Do you know where you are?” You are now a prisoner of the fast train of time. Coincidence willed that you be with us to take you on a journey of time in which we dive into the depths of history and then break through the wall of time to set off into the unknown future. The train of time, oh happy coincidence! This train that I imagined and dreamed of and spent hours and hours thinking about and how much I wondered to myself, will the day come when this dream becomes a reality, so that we set off with it through the past time to live its events in which I am one of the heroes of these events and then break through the wall of the future time to explore the unknown future in order to choose from it what pleases me and dream about it? And it was only a few moments, in the blink of an eye, that I found myself again a young child living the years of my beautiful childhood, wandering in the alleys of my old neighborhood paved with black basalt stones. These are my writings and drawings that I wrote and drew on the walls. I drew them with the remains of chalk that I used to seize from the classroom blackboard at school. Oh my God, this is the door of my school opened and I am leaving it with my friends while we are screaming loudly and laughing at the behavior of some of the teachers with us or at the behavior of the friends. I continued walking until I reached the door of Our old house that still remains, that has remained as it has for generations and generations, steadfast in the face of storms, that used to unite us with its warmth, I knocked on the door as usual for her to open the door for me and then asked me to take off my school clothes so that I could eat my food and review my schoolwork, I ate my food quickly then ignored my mother and went out to the street to play with my neighborhood friends and I heard the echo of my mother’s voice as I closed the door, she was threatening me with my father saying go back and review your lessons or I will complain to your father, oh how beautiful and sweet her voice is as if it is the voice of angels swimming in the sky, here are my friends gathered and they have formed teams and gangs and we have shouted and noisy and we fight when we disagree then we return to reconcile and form sports teams where we play sports matches or imitate the heroes of the adventures of Ali Baba’s gangs and other fictional stories as if we are the heroes of them, I have passed the stage of childhood and today I am living my adolescence and I am now standing in a corner of the neighborhood far from our house where I used to stand In it, in my hand, a red rose that I picked from the rose bushes that my mother planted in our house garden. I wrapped it in a piece of paper on which I wrote the most beautiful love poems stolen from the poetry collections of poets, making her believe that I spent nights composing them for her as an expression of my love for her, while I hummed the songs of Abdel Halim Hafez. Oh God, here she comes, yes, she is the neighbor’s daughter who occupied my mind and heart, and I dream of her as the first love of my life. She passed by me smiling a wonderful, hidden smile, and she lowered her head to the ground. With the speed of the wind, I gave her that rose to keep, then she went on her way, while I waved my hand to her, and she responded with her wonderful smile, and her lips revealed the most beautiful pearls in the world. The days passed, and today I find myself on the college lecture hall or in the university courtyard with colleagues, exchanging opinions and discussing various topics such as lectures and future requirements, while I am gathered with my friends, playing cards and dice, and exchanging conversations after we finished our university studies and each of us practiced his work and specialty. The train departed I whistled at him asking me to get on so we could continue on the path, warning him that the road was long. I asked him to keep me where I was and to go where I find innocence, purity, simplicity of life and good company. Life was good, and I did not want to return to my present reality, which I was in before I got on this journey with him. He refused vehemently, despite my pleas and cries for help, asking me for calm and tranquility. Then he continued walking, gray smoke rising from him covering the sky, to the tunes of his whistle resounding in the air, until we reached the ruins of cities whose corridors had been shattered. A voice emanating from the train shouted, “We have now reached the gates of the present. We will stop for a while to take a rest, live in reality, and then set off to the future.” I said to him, “What kind of reality is this present? Is it the reality of tragedy and suffering in which you want to take a rest?” I had hardly finished speaking when he sped off without looking back. Here, unconsciously, I shouted at him in a loud voice asking him to stop immediately, but he did not respond to me and continued walking, which made me… I threatened him, vowing that I would throw myself down if he did not stop and let me go. As a result, he began to walk slowly until he stopped on the sidewalk. Before opening the door, he asked me, “Why don’t you continue and travel to the future? Perhaps you will find there something better than the present you are living in?” I told him, “I prefer the bitter, painful present that our crumbling civilization has brought us into, which has lost all human and moral principles. But we will spare no effort to restore what we have lost of the beautiful past, even if it costs us a lot. Without riding the train of time, we may be tempted to ride the train of time to take us to an unknown future that we know nothing about, which may be worse than what we are in now. If we want to make the future, we will make it ourselves in the way we see best In a manner that is consistent with our morals, principles, and the civilization we aspire to, inspired by the lessons and morals of the past, drawing from them to guide us. Here, he opened his doors and asked me to come down, wishing us a better life and to find the right path to build the future without riding the train of time. As soon as I came down, I stopped reading my own thoughts, fearing that I would not find in them anything that would make matters worse and more complicated. Perhaps I would come up with better, creative ideas that would make the present better and a gateway to the future without the need for the train of time.

 Dr. Muhammad Tawfiq Mamdouh Al-Rifai