الجبر والكسر

محمد ديبو حبو

مرَّ رجل بجانب امرأة عجوز جالسة على الرصيف تطلب عوناً تأفف الرجل منها وأسمعها كلمات لا تليق بعمرها وكأن الزمن قد نزع الرحمة من قلبه. لحظات أخرى مر شاب بالقرب منها وهي تطلب العون فأخذته النخوة والشهامة. اقترب منها قائلاً: أه يا أمي قسماً لو أملك قوت يومي لخلَّصتك من سؤال الناس لتعيشي معي كأم لي.فأنا محروم من نعمة وجود الأم وأشعر بفراغ كبير في حياتي.تأمل الشاب في عينيها فرأى فيهما قصصاً من الألم والمعاناة ولكنه أيضاً رأى بصيصاً من الأمل. كانت تلك العجوز تجسد كل الأمهات اللواتي عانين في صمت وكل الأجيال التي مرت دون أن تسمع أصواتها. لا تظني أنني أستطيع أن أقدم لك الكثير تابع الشاب لكنني أعدك بأن أكون بجانبك وأن أشاركك ما أستطيع. فالعطاء ليس فقط في المال بل في الحب والاحترام."بكت المرأة العجوز ثم قالت: آه يا ولدي لو أن ابني فعل بي ما فعلت أنت لكنت أغنى بني البشر. الفرق بينك وبينه كالفرق بين الفهم والوهم حرف واحد فقط وبين الداء والدواء كذلك حرف... لكنني فقدت الأمل فحل مكانه الألم بالرغم من تطابق الحروف بينهما. لكنه أبى إلا أن يغير تلك المعادلة فكلما حاولت أن أستعيد الأمل كان الألم يجرني إلى الوراء. فما بين جبر الخواطر وكسرها خيط رفيع اسمه الأسلوب وهذا الأسلوب هو ما يحدد كيف نتعامل مع مشاعرنا ومع الآخرين. أنت يا ولدي تملك القدرة على أن تكون جبراً لقلوب الآخرين لكن أبني اختار أن يكون كسراً لقلب أمه . تذكر أن الكلمات لها قوة وأن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات. فهل ستختار أن تكون سبباً في جبر الخواطر أم ستبقى أسيراً للألم الذي اخترته...؟ الخيار بين يديك وأنت وحدك من يستطيع أن يكتب الفصل التالي من قصتنا.توقفت العجوز عن الكلام ودموعها تتلألأ في عينيها وكأنها تحمل في طياتها كل الآلام والأحلام التي لم تتحقق.وهي تنظر في عيني هذا الشاب الوسيم كم تمنت أن يكون ابنها هو الواقف الآن أمامها.. رغم ذلك كانت تنتظر ردة فعل ابنها عسى أن يكون هناك بصيص من الأمل في قلبه.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة