قصة قصيرة مكتملة الشروط و عناصر القصة القصيرة 

بقلمي

لقاء مع القائد صلاح الدين

تُلقي شمس الأصيل أشعتها الذهبية على أسوار قلعة عمّان، حيث تقف يارا، الشابة الأردنية، وعقلها يسبح في بحر من التساؤلات. كيف وصل الحال بالقدس إلى ما هو عليه اليوم؟ هل ضاعت الأحلام التي قاتل من أجلها الأجداد؟ وفجأة، يهتز الهواء من حولها، يتلاشى صخب المدينة، وتحل محله رائحة التراب المبلل وصرير الدروع. تجد يارا نفسها واقفة على ربوة خضراء، محاطة بخيام تكتظ بالجنود، وشعارات النبالة تتراقص مع الريح.


يتقدم نحوها رجل مهيب بملامح عربية أصيلة، عيناه تشتعلان بذكاء وفطنة، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه. إنه صلاح الدين الأيوبي. ينحني لها باحترام، وعلامات الدهشة ترتسم على وجهه وهو يرى هيئتها الغريبة.


صلاح الدين: "من أنتِ يا فتاة؟ وما الذي أتى بكِ إلى هنا؟"


تتلعثم يارا، ثم تستجمع قواها: "أنا يارا، من زمان بعيد، من المستقبل. لقد جئتُ لأرى منقذ القدس، لأرى القائد الذي أعاد الأمل لأمة."


تضيء عينا صلاح الدين بفخر ممزوج بالحيرة: "المستقبل؟ وماذا أتى بكِ إلينا من ذلك الزمان البعيد؟ أبلغنا الزمان أن القدس ما زالت تعاني؟"


تتسرب الحسرة إلى قلب يارا وهي تقول: "القدس.. آه يا سيدي، القدس في خطر عظيم. تقسيم وتهويد، ومقدسات تُدنس، وأهلها يُطردون. الأمة تائهة، متفرقة، لا تعرف طريقها."


يصمت صلاح الدين، يتأمل بعمق في كلماتها. يبدو الألم واضحًا على وجهه، كأن سهام كلماتها اخترقت درعه.


صلاح الدين: "القدس.. روحي وفؤادي. هل ضاعت دماء الشهداء هباءً؟ هل خفت جذوة الإيمان في القلوب؟ لقد حملنا راية الجهاد بقلوب ملؤها اليقين، آمنّا بأن النصر لا يأتي إلا من عند الله، وبوحدتنا وعزيمتنا."


تنهدت يارا: "لقد فقدنا الكثير من ذلك اليقين يا سيدي. تهاوت النفوس، وغلبت المصالح الشخصية، وضعفت روح الجماعة. نرى الأعداء يتحدون علينا، ونحن نتقاتل فيما بيننا."


يومئ صلاح الدين برأسه بأسى: "كنتُ أخشى هذا. لقد علمتُ أن وحدة الصف هي سر قوتنا. إن تفرق الأمة هو سبيل ضعفها. القدس ليست مجرد حجارة، بل هي روحنا، كرامتنا، تاريخنا."


يتجه صلاح الدين بنظره نحو الألالاف من جنوده المنتشرين، ثم يلتفت إلى يارا بعينين تملؤهما العزيمة: "ولكن الأمل لا يموت يا ابنتي. ما دام في الأمة نفس يطمح للحرية، وقلب ينبض بحب القدس، فحتماً سيأتي الفرج. هل ما زال هناك من يذكر نداء الأقصى؟ هل ما زال هناك من يحمل هم القدس؟"


تومئ يارا برأسها بحماس: "نعم يا سيدي، ما زال هناك الملايين. ما زالت القدس تسكن في وجداننا. ولكننا بحاجة إلى بصيص نور، إلى من يجمع شتاتنا، إلى من يذكرنا برسالتنا."


يربت صلاح الدين على كتفها بحنان أبوي: "إذن، رسالتكِ واضحة. عودي إلى زمانك، وذكّريهم. قولي لهم أن القدس أمانة في أعناقهم، وأن الوحدة هي سبيل النصر، وأن الإيمان هو شعلة الطريق. قولي لهم أن التاريخ يُعيد نفسه، ومن يتعلم من الماضي، يصنع مستقبلاً أفضل."


تتلاشى الخيام والجنود، وتعود يارا إلى أسوار قلعة عمّان، تحمل في قلبها كلمات صلاح الدين، وعزيمة أقوى من أي وقت مضى. لقد علمت أن الأمل لا يزال موجودًا، وأن مفتاح النصر يكمن في استعادة الروح التي قادت صلاح الدين وجنوده إلى تحرير القدس: الإيمان، الوحدة، والعزيمة.


نقل الرسالة إلى الحاضر


تجلس يارا في مقهى يعج بالناس في وسط عمّان، رائحة القهوة تملأ المكان، وشاشات الهواتف تضيء وجوه الجالسين. تُراقب الأحاديث المتقطعة حولها: عن الأسعار، عن العمل، عن آخر الأخبار التي تحمل في طياتها الكثير من اليأس. كيف يمكنها أن تُخبر هؤلاء الناس عن لقاء صلاح الدين؟ كيف تُقنعهم بأن الأمل لم يمت، وأن القدس تستحق كل تضحية؟


قررت يارا ألا تصرخ في وجه أحد، ولا أن تلقي الخطب. بدلاً من ذلك، بدأت رحلتها بنشر رسالة صلاح الدين بطرق بسيطة ومؤثرة:


1. الكلمات تروي قصصًا


بدأت يارا بكتابة مقالات قصيرة ومدونات على الإنترنت، لا تتحدث فيها بشكل مباشر عن لقائها بصلاح الدين، بل عن روح القدس. كتبت عن صمود أهلها، عن تاريخها العريق، وعن مسؤولية الأمة تجاهها. استخدمت لغة عاطفية صادقة، لتمس القلوب وتوقظ الضمائر. ركزت على قصص أبطال الماضي، وكيف أن إيمانهم ووحدتهم كانا سر انتصاراتهم.


2. الفن يُحيي الأمل


بما أن يارا تمتلك موهبة في الرسم، بدأت برسم لوحات تُجسد روح القدس، ليس فقط كمكان مقدس، بل كرمز للكرامة والعزة. رسمت مشاهد تُظهر الوحدة والتكاتف، وأخرى ترمز إلى الصمود والتحدي. عرضت لوحاتها في معارض صغيرة، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لتصل رسالتها إلى أكبر عدد ممكن من الناس، خاصة الشباب.


3. الحوار يبني جسورًا


لم تتوقف يارا عند النشر والفن. بدأت تُشارك في حلقات نقاش صغيرة، سواء في الجامعات أو المراكز الثقافية. كانت تستمع أكثر مما تتحدث، ثم تطرح أسئلة تُحفز التفكير: "ماذا لو وحدنا صفوفنا؟" "ماذا لو استعدنا ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على التغيير؟" "هل يمكننا أن نتعلم من دروس التاريخ؟" كانت كلماتها بسيطة، ولكنها تحمل في طياتها حكمة صلاح الدين: الأمل لا يموت ما دام في الأمة نفس يطمح للحرية.


4. القدوة تلهم الأفعال


أدركت يارا أن الأفعال أقوى من الكلمات. فبدأت تُشارك في المبادرات التطوعية التي تدعم صمود أهل القدس، حتى لو كانت بمبالغ رمزية أو بجهد بسيط. كانت تُشارك في حملات التوعية، وتُشجع الآخرين على ذلك. كانت تُظهر للجميع أن حب القدس ليس مجرد شعار، بل هو عمل ومسؤولية.


بهذه الطرق، حملت يارا رسالة صلاح الدين إلى حاضرها. لم تغير العالم بين عشية وضحاها، ولكنها زرعت بذور الأمل والعزيمة في قلوب من حولها، بذور قد تنمو وتزهر يوماً ما، وتُعيد للأمة روح صلاح الدين.


بقلم المفكر و القاص العربي

الشاعر والناقد الاردني 

دكتور محمد سليط 

حقوق الملكية في الاردن تحت رقم 1210

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة