«®» خواطر طبية «®»
( الوقت كالسيف ) [2]
من ذكرياتي د / علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، فهناك البعض ، الذين يعتقدون أنهم مهمون جدًا ، بينما أنا الشخص الوحيد غير المهم في العالم ، والدليل أنني طلبت من زميل أن أزوره ، فقال أنه مشغول جدًا ، في النهاية قال ، أنه يسمح لي بخمس وعشرين دقيقة ، أليس هذا غريبًا ، لماذا لا تكون نصف ساعة ؟! ، ثم فطنت إلى أنها (رسالة) يقصد أن هذا من صميم الأهمية ، أي أن كل شيء محسوب عنده بالثانية ، وعندما زرته وجلست معه ، إستغرقت الجلسة أكثر من ساعة ، دون أن يشعر بالوقت ، ثم جلس إلى شاشة الكمبيوتر وأراني كيف يقوم بأعماله الفنية ، ثم أراني كيف يربي العصافير الملونة ، وشرح كيف تتناول طعامها ، رغم صغرحجمه ، ثم بعد قليل نظر لساعته ، وأعلن أنه مشغول جدًا ، هكذا إنصرفت شاعرًا بالخجل لأنني إكتشفت أن وجودي غير مهم بالنسبة له ، برغم أن جلستنا بدت أقرب شيء إلى (تلميع الأكر) بالنسبة لي
... صديق آخر حدثني عن حياته المعقدة جدا ، وكيف أن وقته محدد بالفمتوثانية ، وكأنه يعمل في وكالة ناسا ، ولما جلسنا بعد ذلك إكتشفت أنه يجري محادثات (شات) مع (سيدات) ، والتي تستغرق أحيانا أكثر من ساعتين ، ويكرر ذلك ثلاث مرات يوميًا
... وجود هذه النماذج السطحية في مجتمعنا التي تضع لنفسها برواز وقيمة من فراغ ، لايمنع وجود أشخاص مشغولون فعلاً بأعمال هامة ومصيرية ، ووقتهم ثمين فعلاً ولا نعرفهم ، لأنهم يميلون للصمت ، ولايحبون البروباجندا ولا الشعارات ، لذلك لانعرفهم ، أما الأشخاص الثرثارون الذين يصدعوننا بالكلام عن إنشغالهم وعن وقتهم الثمين ، فهم غالبا ألعن عينة من العاطلين في العالم ، لأن لديهم فراغ قاتل ، ولا يجدون شيئا يفعلونه على الإطلاق ، وكدفاع عن النفس يحاولون إقناع أنفسهم والناس أنهم مشغولون جدا وذووا قيمة في المجتمع
... ولذلك فقد تعلمت ، أن لا أكون صريحا ، بمعني (لو لم تكن مشغولاً ، فلا تقل هذا أبدا ، لأنه ينزل بك درجات في عيون الآخرين) ، وعندما يطلب أحدهم شيئا منك فعليك التفكير وطلب مهلة ، ولتظهر على وجهك أن طلبه هذا قد يدمر جدولك الزمني وبرنامجك اليومي ، وربما يؤدى إلى تشريد مائة أسرة كانت تعتمد عليك في أمورها ، حتى لو كان طلبه أن ترد عليه السلام ، لكن لا تفعل هذا بسرعة ، بل يجب أن يتم بصعوبة ويستغرق وقتا حتى تؤكد على قيمة وقتك الثمين (تلك هي فلسفة المجتمع في عصرنا الحالي)
... فلا تذهب لأي موعد في موعده ، هذه نصيحة مهمة لكرامتك ، ونظرة الآخرين لك ، حتى لو لم تجد شيئا تفعله ، وحتى لو كان عندك ساعة تمضيها في (تلميع الأكر) ، فافعل ذلك ، يجب أن ينتظرك الآخرون ، بأي ثمن ولو إستطعت ألا تذهب لأنك مشغول (لو كان الأمر غير مهم) فهذا أفضل
... للأسف مع الوقت إكتشفت أن المتظاهرين بالإنهماك والإنشغال ، هم أقدر الناس على التقدم بهذا المجتمع أعني (التظاهر بأنهم متقدمون علي غيرهم !)
... تحياتي ...
تعليقات
إرسال تعليق