«[®]» خواطر طبية «[®]»
«( الوفــــــــاء )»
من ذكرياتي : د/علوي القاضي..
... زارني في عيادتي مريض تجاوز الستين ، أنيق ، كله حيوية ، برفقة زوجته ، وكان يعاني من (ذبحة صدرية) قمت بفحصه بدقة ووصفت له علاجه وشرحت له أسلوب ونمط حياته ، وكان واضحا على زوجته القلق الشديد والتوتر وشدة الإهتمام بزوجها ، وكنت أطمئنها عليه فى كل مرة يزورني بتحسن حالته ، وأظهر تقدما في كفاءة عضلة القلب ، وبعد فترة زارني بمفرده ، وعلامات الحزن الشديد والإنكسار تتملكه ، مع ارتدائه ملابس سوداء ومظاهر الإهمال واضحة عليه ، فسألته عن السبب ، أخبرني أن زوجته توفيت فى حادث سيارة ، واسيته بشدة وأخذت أهدئ من روعه بعبارات تتعلق بالايمان بالقضاء والقدر ، فقد كنت أقدر الإخلاص والوفاء المتبادل بينه وبين زوجته ، وفى الزيارة التالية ظهر عليه تدهورا نفسيا شديدا ، شرود وذهول وإهمال في مظهره ونظافته الشخصية ، إقترحت عليه زيارة طبيب نفسي ، رحب بذلك ، فقمت بمهاتفة أحد الزملاء ، وأوصيت عليه ، هاتفني الطبيب وأخبرني أنه يعاني من إكتئاب شديد و أنه سيقوم بعمل جلسات علاج نفسي له مع الأدوية ، زارني بعد ذلك ، وكنت ألاحظ تدهورا أكبر وتنامي لحالة الشرود والذهول ، وبعد أيام ، زارني فى العيادة فوجئت به فى أبهى صورة ، ملابس أنيقة ملونة ، عطر مميز ، وشعر مصبوغ ومصفف ، وضحكة صافية وكأنه على ميعاد للقاء الأحبة ، شكرني بشدة على كل ماقدمته من علاج وإهتمام ، وأن حالته تحسنت بالفعل بعد العلاج النفسي ، وأنه يشعر أخيرا بأنه تخلص من عبء ثقيل ، وأنه تحرر أخيرا من ذلك الشعور بالوحدة الذى كان يؤرقه ، ومع شعورى بالشك والدهشة مما رأيت منه ، لم أخف سعادتي بما قال ، وتمنيت له خيرا
... فى اليوم التالي ، هاتفني الطبيب النفسي ، ليخبرني أنه قام بزيارته ، وكان حديثه عن الوفاء بين الأحبة ، وإلتقاء الأرواح ، وأنه يرى زوجته بإستمرار معه في الشقة ، تكلمه ويرد عليها ، وتستدعيه وتتعجله ليذهب إليها وتنادي عليه في منامه ، وفي نهاية الزيارة شكره أيضا على مجهوده ، و أنه خرج من عنده وأبلغه أنه سيلحق بزوجته ، وقد كان
... الوفاء مبدأ لامجرد كلمة تقال ، بل هو مبدأ يُثبت بالمواقف ، كما أنه ليس مرتبطًا برابطة دم فقط ، بل هو موقف صادق يظهر في أوقات الحاجة ، قد نجد أنه ليست كل صلة قربى تعني قربًا حقيقيًا ، فالمعدن الأصيل لا يتغير مهما تبدلت الظروف ، والأيام كفيلة بكشف الصادقين والمنافقين ، في عالم مليء بالتحديات والاختبارات يصبح الوفاء نادرًا ، لكنه في ذات الوقت أغلى مايمكن أن يقدمه الإنسان لمن يستحق تقديره وعطاءه
... فلنكن من الأوفياء ، ولنحرص على تقديم الوفاء لمن يبقون معنا في الأوقات الصعبة ، فهؤلاء هم من يعطون لحياتنا معناها الحقيقي
... بكى عمر المختار بشدة حين ماتت زوجته ، فقالوا له : ما يبكيك ؟! ، قال أنها كانت ترفع باب الخيمة ليدخل ، فلما سألها : لماذا تفعل ذلك ؟! فأجابته كي لاينحني لغير الله ، نعم الزوجة هي ، ونعم الزوج هو
... الوفاء يعني شخص معك في كل الظروف وليس على حسب الظروف ، ولايقاس بالكلمات ، وهو ميثاق وعهد ، الوفاء ليس أن لاتخون ، ولكنه أن تعجز عن الخيانة ، حتى مع كل المغريات
... (الوفاءُ) في الحب ليس مذلة ، و(العطاء) ليس شراء قرب ، و(السؤال) ليس تضييقاً وملاحقة ، و(الإهتمام) ليس مراقبة ، و(البقاء) بالقرب ليس تطفّلاً ، و(المواساة) ليست شفقة ، و(الكلام) العذب ليس تصنعاً ، و(الحب) أن ترى كل ذلكَ جميلاً ، دون أن يكون له معنا آخر ، سوى أنه حب لاغير
... معنى الوفاء الحقيقي ، أن لاتخذل أحدًا كان يثق بك ، فقلُوبنا لاتبحث عن الحُب ، نحن نبحث عن مشاعر قوية صادقة ، وقلوبٌ تصدق ، لاتجرح ، ولاترحل ، ولاتخذل شَخص وَضَع كُل ثِقتُه فِيك فهناك ﻗﻠﻮﺏ ﻻﺗﻌﻮﺽ أﺑﺪاً ، الوفاء ليس كلمة تقال بل روح تعاش ، هو العهد الذي ، لا تغيره الأيام ، والصدق الذي
لا يخذله الغياب ، الوفاء مرادف للصدق والإخلاص والحب الحقيقي
... تحياتي ...
تعليقات
إرسال تعليق