خواطر طبية
«( المريض المناكف )»
من ذكرياتي : د/علوي القاضي.
... يبدو أن ملامحي تعطي إنطباعًا للمريض بالصبر والسلام ، أو ربما البلاهة ، مما يغريه بإجهادي ، من منطق أنه لابد أن يجادل بلا هدف ، إذا طلبت منه أو نصحته بنظام صحي سليم ، يكفل له الحفاظ على صحته ، ويساعدة في شفاءه
... عوامل الخطورة علي القلب كثيرة وأهمها ، مرض السكري ، وارتفاع الكوليستيرول والدهون في الدم ، وإرتفاع ضغط الدم ، والتدخين ، والسمنه وزيادة الوزن ، ومحيط الخصر (الكرش) ، والتوتر والعصبية والقلق (الإجهاد النفسي والبدني والذهني) ، ومن هذا المنطلق أعانني الله على إعداء قائمة نصائح إرشادية ، وسلوكية ، لنظام غذائي وحياتي سليم
... أتذكر ذلك المريض الذي زارني في عيادتي ، وقبل أن يدخل حجرة الكشف قال ، (لو هتقول لي وقف التدخين همشي ومش هاكشف) ، وبسرعة البديهة قلت له (أدخل مش هاطلب منك توقف التدخين) ، وبدأت الفحص واكتشفت أنه يعاني من إنسداد في ثلاث شرايين تاجية للقلب بنسبة أكثر من ٨٠ ٪ ، ولاتصلح له الدعامات ، وسيحتاج جراحة قلب مفتوح (زرع وتوصيل شرايين تاجية) (CABG) ، شرحت له ظروفة الصحية التي لاتسمح بالجراحة ، ولابد من تنظيم حياته مع العلاج ووقف التدخين ، فرد قائلا (كده بدأنا نختلف) ، وبعد مناقشة سفسطائية ، إستطعت بعون الله ، ثم بمساعدة زوجته ، إقناعة (ظاهريا) بجدول إنسحاب تدريجي من التدخين ، ولكنه لم يستجب ، وبعد حوالى شهرين سمعت خبر وفاته
... وهناك ذلك المريض الذي صرح بأنه يهوى أكل الدهون برغم توصيتي له بالامتناع عنها ، لأن عضلة قلبه ضعفت ولأن شرايينه التاجية تصلبت وضاقت ، ونصحته أن يمتنع عن تناول كل مافيه دهون ، فيقول في حماس وهو يبتلع لعابه ، يادكتووور أنت لا تفهم ما قلت لك ، شراييني التاجية مسدودة تمامًا ، وهذا الكوليسترول يوشك على قتلي ، ياحاج هذا يؤكد نصيحتي ، فيرد ، بل يؤكد أنك لا تصغي لي يادكتووور ، أنا أحب الدهون هذه نقطة ، والنقطة الأخرى هي أن شراييني التاجية ضيقة ، قلت له أن عليه الإختيار بين الإستمتاع بالدهون ، أو الإستمتاع
بقلب سليم ، ولايمكن أن يجمع بين الحسنيين أبدًا ، إما دهن لذيذ أو قلب سليم ، لا يوجد حل ثالث ، فيستغفر الله ، ويتنهد ويقول ، لكن شراييني التاجية في حالة سيئة جدًا ، هل فهمت أخيرًا يادكتووور ؟! ، قلت له ، هل تقصد أن وضعك لن يزداد سوءًا وإن من الأفضل أن تستمتع بكل شيء مادامت هذه هي النهاية ؟! ، ينظر لي في غيظ ، ويقول يادكتووور فأل الله ولا فألك ، أنت رجل مثقف ويجب أن تنتقي كلماتك ، أنا أحب الدهون ، وآكل الزبدة البلدي وأمقت اللحم الأحمر ، قلت ، فلتنعم بالدهن إذن ، قال ، لكن هناك مشكلة شراييني التاجية ، أنت رجل متعلم وطبيب ، ومستحيل أن تجهل خطر ذلك على صحتى
... في النهاية إكتشف أنني أضعت ساعة كاملة ولم أفهم ما يريد وإنتهت الزيارة على لاشئ
... وهناك مريض ٱخر ، ذلك الرجل النهم الذي نصحته بأن يأكل المسلوق ، فأعترف أنه شَرِهٌ للأكل ، ذات يوم دعا صديق له إلى الغداء في بيته (كما حكى لي صديقة) ، في ذلك اليوم ، شعر الصديق بإحترام بالغ عندما وضعوا أمامه طبقًا من الكوسة المسلوقة ، بينما وضعوا أمام الصديق أطباقًا دسمة ، ظن الصديق أن هذا الرجل قوي الإرادة ، قال الرجل لصديقه (بلهجة رثاء للنفس) وهو يرشف الحساء ، (معذرة ، فهذه أوامر الطبيب) ، قال له الصديق مواسيا ، (أعطاك الله الصحة)
... ولما إنتهى الرجل من شرب الحساء ، فوجئ الصديق بزوجة الرجل ، تضع أمامه طبقًا بالغ الدسامة ، ثم زوجًا من الحمام تسبح في بحر من الدسم والبهريز ، وبدأ يأكل في نهم شديد ، فهم الصديق من زوجة الرجل ، أنه إفترض أن أكل المسلوق معناه أن يأكله بالإضافة لما كان يأكله في الماضي !
... أي أن أكل المسلوق نوع من العلاج يؤخذ قبل الأكل ! ، النتيجة هي أن وجباته تضاعفت تقريبًا وازداد وزنه
... وكالعادة ، كان رأيه النهائي بالطبع هو أن الطبيب أحمق لا يفقه شيئًا
... قابلت الكثير والكثير من هذه النوعية ، بقصد أو غير قصد ، وماعلينا إلا الصبر والتحمل حسبة لله تعالى ، فمهنتنا إنسانية في المقام الأول
... تحياتي ...
تعليقات
إرسال تعليق