"فَنُّ التَّوازُنِ: بين المبادئ والطموحات"
"فَنُّ التَّوازُنِ: بين المبادئ والطموحات"
تُحَدِّثُني عنِ الثَّقافَةِ، عنِ العِلْمِ، عنِ المَراكِزِ، عنِ المَناصِبِ... أَنْحَني احْتِرامًا وأُجيبُكَ بأنَّ الأَهَمَّ مِن كُلِّ هذِهِ الأُمورِ في الحَياةِ هو مَزيجٌ مِنَ التَّرْبِيَةِ، وَالذَّكاءِ الحادِّ، وَسُرْعَةِ البَديهةِ، فَإِذا مَزَجْناها مَعًا، نَحْصُلُ عَلى ما يُسَمّى بِـ "الوَزْنِ"، وأَقْصِدُ هُنا الإِنْسانَ المُوزونَ.
الإِنْسانُ المُوزونُ هو ذلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الذَّكاءِ الحادِّ، وَسُرْعَةِ البَديهةِ، وَالتَّرْبِيَةِ السَّلِيمَةِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ قادِرًا عَلى التَّصَرُّفِ بِحِكْمَةٍ وَاتِّزانٍ في مُخْتَلَفِ المَواقِفِ. هذِهِ الصِّفاتُ لا تَأْتي مِن فَراغٍ، بَلْ هِيَ نَتاجُ تَرْبِيَةٍ عَميقَةٍ، وَتَجارِبَ حَياتِيَّةٍ، وَإِدْراكٍ مُتَّزِنٍ لِلْحَياةِ. فَهُوَ قادِرٌ عَلى تَحْقِيقِ التَّوازُنِ بَيْنَ العَقْلِ وَالعاطِفَةِ، فَلا يَنْجَرِفُ وَراءَ المَشاعِرِ بِلا تَفْكِيرٍ، وَلا يَكُونُ جامِدًا خالِيًا مِنَ الإِحْساسِ. يَعْرِفُ مَتى يَكونُ عَقْلانِيًّا في قَراراتِهِ، وَمَتى يُتْرِكُ لِعاطِفَتِهِ مَساحَةً تُعَبِّرُ عَنْ إِنْسَانِيَّتِهِ. كَما أَنَّهُ ثابِتٌ في مَواقِفِهِ، لا يَتَأَثَّرُ بِالضُّغوطِ أَوِ المَصالِحِ، بَلْ يَتَّخِذُ قَراراتِهِ بِناءً عَلى مَبادِئَ واضِحَةٍ وَرُؤْيَةٍ مُتَّزِنَةٍ.
لِذَلِكَ، لا تَنْجَرِفوا وَراءَ المَصالِحِ الضَّيِّقَةِ الَّتِي قَدْ تَجْعَلُكُمْ تَفْقِدونَ قِيَمَكُمْ وَمَبادِئَكُمْ، فَالنَّجاحُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ في الوُصولِ إِلى المَراكِزِ العالِيَةِ، بَلْ في الحِفاظِ عَلى التَّوازُنِ بَيْنَ الطُّمُوحِ وَالأَخْلاقِ. اجْعَلوا الِاتِّزانَ نَهْجًا لِحَياتِكُمْ، وَكونوا مُوزونينَ في أَفْكارِكُمْ وَأَفْعالِكُمْ، فَالْحِكْمَةُ تَكْمُنُ في القُدْرَةِ عَلى الجَمْعِ بَيْنَ العَقْلِ وَالعاطِفَةِ دُونَ أَنْ يَطْغى أَحَدُهُما عَلى الآخَرِ. لا تَجْعَلوا المَناصِبَ وَالمَكانَةَ الاجْتِماعِيَّةَ تُحَدِّدُ قِيمَتَكُمْ، بَلِ اجْعَلوا مَبادِئَكُمْ وَسُلوكَكُمْ هُما ما يُمَيِّزُكُمْ بَيْنَ النّاسِ. فَفي النِّهايَةِ، الإِنْسانُ المُوزونُ هُوَ مَنْ يَظَلُّ ثابِتًا عَلى مَبادِئِهِ، مُتَّزِنًا في مَواقِفِهِ، قادِرًا عَلى اتِّخاذِ قَراراتِهِ بِحِكْمَةٍ وَعَدْلٍ، تارِكًا أَثَرًا طَيِّبًا في كُلِّ مَنْ حَوْلَهُ.
دعد عبد الخالق
تعليقات
إرسال تعليق