ظلّكِ يا أمي

دعد عبد الخالق

دعيني، يا أمي، أكون ظلّكِ الذي لا يفارقكِ، أعيش في خطاكِ وأذوب في تفاصيلكِ. أنتِ الوحيدة التي أتوق لأن أتبعها، لأن أكون صدى أنفاسها، لأن أكرّر حركاتكِ التي تشبه لحناً أزليّاً، لأجد راحتي في ملاذ رأسكِ الذي يُنهكه التفكير ويحتوي الكون كلّه بحبّه.

دعيني أُلقي رأسي على مخدّتكِ التي تحمل دفء لياليكِ ودموع صمتكِ. دعيني ألمس التراب الذي مرّت عليه أقدامكِ الثقيلة بأحمال الحياة. أتوق لأن أعيد غناء تلك الأغاني التي كنتِ ترندحينها في صِباكِ، بصوتٍ يكاد يتهدّج شوقاً لكِ.

كم تمنّيت أن أقرأ كتبكِ القديمة، تلك التي تملأ حواشيها بخطوطكِ الصغيرة، أن أتذوّق الطعام الذي كانت يداكِ تطبخانه بلمسةِ حبّ لا تتكرّر، دعيني ألمس ورودكِ التي تُغدقين عليها حنانكِ حتى لو لسعتني أشواكها. كم أحنّ إلى أن أكون جزءاً من مستقبلكِ، أستقبل زوّاركِ وأشارككِ حكايا الزمن التي تحملينها على كتفيكِ.

أمي... دعيني أكون ظلّكِ لأتعلّم كيف أتنفّس المحبّة التي تزرعينها فينا، لأزفر كلّ كرهٍ علّمني العالم إيّاه، لأرى الناس كما كنتِ ترينهم دائماً: بقلوبٍ بيضاء مهما ثقلت عيوبهم. دعيني أكون عينيكِ اللّتين تنظران إلى النصف الممتلئ من كأس الحياة، حيث الأمل لا ينطفئ مهما خفَتَ نوره.

كم أتوق لأن أكون ظلّكِ، لأخفّف عنكِ أحمال الحياة الثقيلة التي أثقلت ظهركِ وأخذت من ابتسامتكِ. دعيني أشارككِ الحزن الذي يختبئ خلف عينيكِ، علّ قربي يخفّف عنكِ ولو قليلاً، علّني أكون البلسم الذي يداوي جراحكِ التي لا تُبوحين بها.

أمي... كيف لي أن أعبّر عن هذا الشوق لأن أكون جزءاً منكِ، لأن أكون ظلّكِ الذي يرافقكِ حيثما ذهبتِ، لأعيش تفاصيلكِ وأحيا بحبّكِ؟ أنتِ الحياة، وكلّ ما أتمناه أن أكون لكِ، أن أعيش فيكِ ومنكِ، أن أكون السند الذي يُرَدّ لكِ ولو جزءاً من تلك المحبّة التي أحييتِ بها أيامي.

أمي...أ درك جيّداً أن حلمي مستحيل، لأنّكِ رحلتِ عنّي، ولكن اعلمي أنّكِ أبداً لم ترحلي منّي. حتى الرمق الأخير، أنا اليوم أعيش بظلّ ذلك الأثر الطيّب الذي تركتِه لي، ليخبر عن امرأة استثنائيّة هي أنتِ يا أمي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة