لم يكن معنا
قصة قصيرة
لم يكن معنا
حين أشعر بالضجر والضيق كنت أهرع إلي هذا المقهي القديم الذي يقبع في حي السيدة زينب وأجلس لأستمع لهذا العجوز وهو يعزف على عوده الأدوار القديمة لعبد الوهاب وام كلثوم هذا الشخص الغريب الذي قليلا ما يتحدث وإذا تحدث كان يتحدث بمقاطع الأغاني كأن يرد عليك بغلبت أصالح في روحي أو لما انت ناوي وغيرها تعرفت عليه عن قرب وعرفت أنه كان من أهل الصعيد واحب فتاة وبعد رفض الزواج عاشرها معاشرة الأزواج وحين إنتشرت الفضيحة قتلوها وتربصوا لقتله فما كان منه إلا الهروب والإختباء في زحام القاهرة وقد أحيا ليلة مولد إبنتي هدي وسعد الحاضرون كثيرا بصوته العذب الشجي وخاصة زوجتي إلهام وكثيرا ما جلست معه في حجرة البدروم التي يعيش فيها لنتحدث ونفضفض معا فقد أحببته كثيرا للحس المرهف الذي يتحدث به والحكمة التي يتمتع بها فضربات القدر كثيرا ما تنعم عليك بالحكمة قلت له يوما خسارة ليتك شهيرا ليسمعك الجميع قال ببسمة حكيمة شجية أغني في عالم سرمدي لا يصل إليه إلا العارفون سألته وهل تحن إلي بلدك قال لا أحن إلا لها روحي صعدت معها يوم رحيلها نظرت إليه ودمعة تسيل دون قصد كنت أشعر دائما وأنا أتحدث معه كأني أتحدث مع شبح غريب أو كائن هلامي لا يمت لنا بصلة وهنا قلت في نفسي أنت لست معنا وبدأت أسجل له بعض الأغاني في الهاتف الخلوي لكي أسمعها وقت الخلوة قلت له لولا القدر لبلغت شهرتك الأفاق رد بتلك البسمة الساحرة سأبلغها يوما قلت في نفسي يالك من خرف وما هي إلا أيام ورحل إلي خالقه حزنت كثيرا عليه وكذلك زوجتي والتي أشارت لي بنشر أعماله علي اليوتيوب والتيك توك وغيرها وبالفعل نشرت كل أعماله التي أحفظها علي هاتفي وصدق العجوز الحكيم فقد بلغت شهرته الأفاق وإنهالت الأموال علي وأصبحت ثريا وقمت بشراء المقهي الذي كان يعزف فيه وأطلقت عليه إسمه مقهي غريب الزيات وقمت بعرض أعماله عبر شاشة بالمقهي هنيئا لك يا صديقي ورحمة الله عليك فقد ذهبت إلي الحياة التي كنت تصبو إليها وتستريح فيها.
نحن لا نموت بقضاء الأجل بل نموت أثر بعض الجراح التي لا تترك أثرا بل هي التي تجعل أرواحنا ترحل إلي عالم آخر فنعيش فترة طويلة ونحن في عالم آخر نتوق إليه ومن ثم نحلق ونستريح فيه.
بقلم شريف شحاته مصر
تعليقات
إرسال تعليق