ارواح واماكت
مقال
أرواح وأماكن
في عالم الأرواح كثيرا ما تشبه الأماكن الأشخاص بعضها تميل إليه والبعض الآخر تحبه وبعضها تنفر منه والبعض الآخر تفضل عدم الإقتراب.
بطبيعتي لا أحب القاهرة حيث التلوث البيئي والسمعي والبصري والمزاجي ما عدا القاهرة القديمة يا إلهي حين أهرع إليها وأتجول بين حواريها وأزقتها الضيقة حيث تحلق روحي وتسافر بعيدا عني وتبدأ في الهيام وكأنها رحلت عبر آلة الزمن إلي العصر الأيوبي والمملوكي ومن قبل الفاطمي ثم أبحث عن مقهي قديم وأجلس فوق كرسي خشبي عتيق وأحدق في المباني والمارة والوجوه قرأت في كتب المقريزي وإبن إياس وإبن كثير أن المباني في القاهرة القديمة كانت تتكون في بعض الأحيان من ست طوابق في الوقت الذي عاش فيه الغربيون في الحظائر والإسطبلات بين البهائم والبغال والخيول وإنتشرت بينهم الأوبئة ثم أشاهد هذه المباني وأسرح في خيال إمرأة تقف خلف نافذة مطعمة بالأرابيسك أو وراء ما يسمي المشربية وكأنها جارية حسناء يتغزل فيها أحد الصعاليك ثم أري بعض المشايخ يمرون هنا وهناك وتذهب روحي إلي العز بن عبد السلام وهو يدعو الناس إلي جهاد التتار وكأنني أري صفوف المماليك وهي تمتطي الخيول وتتجول في الحواري كل هذا وأنا أجلس أتناول فنجان القهوة وأشم رائحة البخور وهي تفوح في المكان اثر بائعي البخور أو تفوح من حوانيت العطارة القديمة وكأنني اجلس وأتحدث مع نجيب محفوظ حول زقاق المدق أو عن حرافيشه وفتواته والغريب أنني لا أضجر أبدا من كثرة التجول والتسكع في هذه الأماكن ثم تأخذني أذني إلي طقطوقة زكريا أحمد الشهيرة يا صلاة الزين يا صلاة الزين علي عزيزة يا صلاة الزين وتقطع الطقطوقة الرائعة صوت أم كلثوم وهي تترنم رباعيات الخيام وكأنهما الحان وأصوات قادمة عبر التاريخ لتتناسب مع الموقف المهيب ثم تنتابني مشاعر كثيرة تمتزج مع بعضها البعض كالغموض والسحر والرهبة والرغبة والخيال بين الماضي والحاضر شعرة إسمها النسيان وتشبع روحي وترتوي حتي تصل إلي السكينة والرضا.
القاهرة القديمة من أهم الأماكن التي تهفو إليها روحي ويصبو إليها فؤادي وهي أقرب ما تكون إلي جدي الطيب الحنون وهو يسرد لي أساطيره القديمة الغامضة حين يتذكر صباه والمجد القديم.
بقلم شريف شحاته مصر
تعليقات
إرسال تعليق